علم النفس العصبي






   نتطرق إلى علم النفس العصبي، وميادين البحث فيه، وكذا تشريح الجهاز العصبي، والذي يعتبر الأساس في هذا العمل إذ كلما كان لنا دراية به، سهل علينا تحديد موقع الإصابة وربطها بالتغير في سلوك الفرد. وعلى الرغم من التقدم الذي حققه هذا العلم على مستوى مراكز البحث في العالم الغربي، مازال يلتمس خطاه في بلداننا العربية، وإن كانت بعض المحاولات هنا أو هناك نجحت في نشر بعض الأبحاث المتعلقة بموضوعات هذا العلم، مازال المر يحتاج إلى تعاون وتكاثف كل المهتمين بذلك
التعريف علم النفس العصبي
يعرفه Henry Hecaen بأنه: "بأنه العلم الذي يدرس الوظائف العقلية العليا وعلاقتها بالمكونات العصبية". يفهم من هذا التعريف أن علم النفس العصبي يهتم بدراسة الاضطرابات التي تصيب العمليات المعرفية مهما كان سببها (وراثي، إصابة مكتسبة قبل أو بعد تكوين الوظيفة). (Henry,H، 1972، ص.1) أما Delamare فيقول: "هو العلم الذي يدرس سلوكات الفرد، وعلاقتها بوظائف ونشاط الجهاز العصبي" (Delamare، 1985، ص.561) لقد حصر هذا الباحث دور هذا العلم في العلاقة بين السلوك أو تغير سلوك الإنسان نتيجة لخلل في وظائف أو نشاط الجهاز العصبي. ويعرفه ساسي عبد القوي بأنه: "دراسة العلاقة بين وظائف المخ من ناحية والسلوك من ناحية أخرى" (سامي عبد القوي، 2001، ص.22).
    لا يختلف هذا الطرح عن سابقه، إذ يتمثل تدخل أو ميدان البحث في هذا العلم، بدراسة العلاقة بين السلوكات والوظائف العصبية. ويقول Frédérique Brin بأنه: "العلم الذي يدرس الوظائف العقلية العليا (مثل الذاكرة، اللغة، الفهم...) وعلاقتها بالجهاز العصبي". (Frédérique، 2004، ص.171) قام الباحث في هذا التعريف بإعطاء أمثلة عن بعض الوظائف العقلية العليا أو ما يرف بالوظائف المعرفية كالذاكرة، اللغة...، وعلاقتها بالخلل في الجهاز العصبي. وتستمد هذه الدراسة معلوماتها من أكثر من علم كعلم التشريح Anatomie وعلوم الحياة Biologie، وعلم الأدوية Pharmacologie، وعلم وظائف الأعضاء Physiologie. ويعد مصطلح علم النفس العصبي مصطلحا حديثا نسبيا، وإن كان بروس Bruce يرى أنه ظهر لأول مرة على يد وليام أوسلر W.Osler، ثم استخدمه هب Hebb في كتابه المعنون "تنظيم السلوك: نظرية نفس عصبية" عام 1947
    وفي عام 1957 أصبح المصطلح محددا كأحد مجالات العلوم العصبية حيث أثار كلوفر Kluver في مقدمة كتابه "الميكانيزمات السلوكية عند القرود" إلى أن كتابه هذا يعد احد اهتمامات علماء النفس العصبيين، ثم ظهر المصطلح في كتابات لاشلي Lashley عام 1960 الذي لم يضع له تعريفا محددا، وإن قدم مفهوم القوة الكامنة المتساوية والذي يعني أن كل مناطق المخ تشارك بشكل متساو في الوظائف العقلية، ومن ثم فإن تحديد موضوع الإصابة هو أمر ثانوي بالنسبة لحجم الإصابة، وأن معظم المهارات تدخل فيها مناطق كثيرة من المخ
تطور نظرية علم النفس العصبي
   يعتمد علم النفس العصبي على الرغم من حداثته في المجال الإكلينيكي على محورين هامين من الدراسات والنظريات هما: الفرضية المخية، الفرضية العصبية.
 1- الفرضية المخية: ترى هذه الفرضية أن المخ هو مصدر السلوك، وترجع فكرة تحديد موضع وظائف المخ إلى علم الفراسة أو الفرينولوجيا Pherenologie حيث أشارا عالما التشريح الألمانيين فرانز جوزيف غال F.Gall( 1757- 1828) وسبورزهايم Spurzheim (1776- 1832) إلى نقاط هامة ف تشريح الجهاز العصبي وأوضحا أن القشرة المخية تتكون من خلايا عصبية تتصل بما تحت القشرة، ووصفا موضع التقاطع الحركي للمسارات الحركية الهابطة من المخ، وأن الحبل الشوكي يتكون من مادة بيضاء ومادة رمادية، وان هناك نصفين متماثلين ببعضهما البعض. أما بيير فلورانز Flourens (1794- 1867)، فقد حاول أن يضع تحديدا للمراكز المختلفة في المخ، والمسؤولة عن بعض الوظائف، وذلك من خلال دراسة كل من المخ والمخيخ والنخاع المستطيل والحبل الشوكي والعصاب الطرفية. وكان فلورانز في دراساته يقوم بقطع واستئصال بعض الجزاء العصبية لمعرفة الوظيفة التي ستتأثر بهذا الاتصال، وتوصل إلى أن المخ هو الوحدة الأساسية لوظائف الإدراك والحكم والإدارة والذاكرة وكذلك مكان الذكاء وأن المخيخ هو الجزء المسؤول عن تآزر الحركات وتنظيمها، وان النخاع المستطيل يحتوي على المراكز الحيوية وإصابته تؤدي إلى الموت، كما أنه يعتبر المنطقة المسؤولة عن الحفاظ على أوضاع الجسم. أما الحبل الشوكي فيتلخص في أنه يقوم بعمليات التوصيل حيث يستقبل المثيرات ويرسلها إلى أماكنها، واعتبر أن وظيفة الأعصاب الطرفية تتحدد في الاستثارة العصبية. (سامي عبد القوي، 1995، ص. ) أما الطبيب الفرنسي بول بروكا P.Broca (1824- 1880) فقد استطاع في 18 أفريل 1861 بتحديد المنطقة المسؤولة عن الكلام وذلك من خلال تشريحه لمخ مريض توفى وكان مصابا بفقدان النطق رغم سلامة الأعضاء المتعلقة بهذه الوظيفة. (Hecaen، 1972، ص.2) ولاحظ من خلال تشريحه وجود منطقة مصابة تقع في الفص الجبهي الأيسر الثالث F3 اعتبرها هي المسؤولة عن فقدان النطق. وبعد ذلك جاء كارل فرينكي K.Wernicke (1848- 1904) ليشير إلى وجود أكثر من منطقة للغة، حيث تمكن عام 1874 من تحديد منطقة أخرى في القشرة في التلفيف الصدغي الأول T1 تؤدي إلى فقدان ذاكرة الصور السمعية للكلمات.
2- الفرضية العصبية: توجد فرضيتان عصبيتان لكل منهما دوره في تطوير علم النفس العصبي، وتحاولان تفسير عمل الجهاز العصبي: الأولى فرضية الخلية العصبية وتنص على أن الجهاز العصبي يتكون من خلايا أو وحدات تتفاعل معا ولكنها ليست متصلة، فالخلايا العصبية متباعدة فيما بينها تشريحيا أو مكانيا، ولكنها تشارك في القيام بوظيفة محددة، أما الفرضية الثانية فهي فرضية شبكة الأعصاب التي تشير إلى أن الجهاز العصبي يتكون من شبكة من الألياف المترابطة التي تعمل كوحدة واحدة.


إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم